أول من صام آدم عليه السلام وكان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ذكره السيوطي في كتاب
(الوسائل إلى معرفة الأوائل)
وكانت بدايات الصوم مع نزول ادم الى الارض شكراً لله على قبول استغفاره وتوبته وتذكر المصادر التاريخية أن أوقات صيام آدم
هي الثلاثة الأيام التي يكتمل فيها القمر بدراً وهي نفسها الأيام البيض نسبة لنور القمر فيها وبياضها وهي الثالث عشر حتى الخامس عشر في
الأشهر الهجرية.
ثم بعد ادم صامه أبناءه والامم من بعده ونوح وأمم مابعد الطوفان حتى صامه النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكان صومه
فى كل شهر ثلاثة أيام إلى العشاء وهكذا صامه النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى فرض
صوم شهر رمضان.
واحب الصيام الى الله سبحانه هو صيام النبي داوود عليه السلام فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: إن أحب الصيام إلى الله صيام داود وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا
وكان الصيام مفروضاً على الأمم السابقة ومعروفاً عند أهل الكتاب ولكن لم يكن صيامهم في رمضان فوجوب صوم شهر رمضان لم يشرع من قبل إذ تختص أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
بفرضية صوم هذا الشهر بالذات.
و رمضان هو اسم عربى قديم مشتق من كلمة الرمض ومعناه الحجارة شديدة الحر بسبب الشمس ذات الحر الشديد وسمى رمضان بهذا الاسم لأنه جاء فى وقت كان شديد الحر حيث أن أسماء الشهور القمرية كانت تسمى حسب الأزمنة التى وقعت فيها.
ومعنى الصوم في اللغة : الإمساك وترك التنقل من حال إلى حال ويقال للصمت صوم لأنه
إمساك عن الكلام والصوم في الشرع : الإمساك عن المفطرات مع
اقتران النية به من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
وقد نزل فرض الله تعالى على المسلمين صيام شهر رمضان في شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة وذلك بعد تحويل القِبلة إلى الكعبة المُشرَّفة بشهرٍ تقريباً فصام النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات وكان فرض الله للصوم على ثلاثة مراحل :
فكانت المرحلة الأولى أن الله تعالى لما فرض على المؤمنين الصيام جعله على التخيير فمن شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم وذلك
رحمةً بهم ولكنه سبحانه ندبهم خلال ذلك إلى الصيام وأنه أفضل من الفطر فقال تعالى:
{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ثم كانت المرحلة الثانية بأن نسخ الله تعالى ما كان من تخيير في الصيام وصار الصيام واجبًا
على من أدرك رمضان بالغًا عاقلًا مقيمًا مستطيعًا لقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وكان المسلم له أن يأكل ويشرب من غروب الشمس إلى صلاة العشاء أو ينام قبل ذلك قال ابن كثير:
فمتى نام أو صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة فوجدوا من ذلك مشقة . حتى جاءت المرحلة الثالثة من فرض الصيام فنسخ الله تعالى ما كان من مشقة على المسلمين وصار
حكم الصيام إلى ما نحن عليه اليوم فقال تعالى:
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} يعتبر الصوم قمة الانقياد والطاعة لله حيث ان المؤمن وبشكل عام مأمور بالامتناع عن المحرمات والمعاصي طاعة لله وخوفاً من غضبه ولكنه في
الصيام يترك الحلال من الطعام والشراب والنكاح طاعة وقربة لله سبحانه وتعالى فهذا الامتثال يعتبر
درجة أرقى وأسمى في علاقة العبد بربه.
والصوم من عبادات الكف والترك وهو من اعمال الامتناع بالسر ليس فيه عمل يشاهد وجميع أعمال الطاعات بمشهد من الخلق ومرأى والصوم لا يراه إلا الله عز وجل فإنه عمل في الباطن بالصبر المجرّد
والطاعة الذاتية،كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل قال: ( يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي به) ومدرسة الصيام تعتبر مدرسة شاملة في التربية للنفس البشرية على التحمل والصبر وردعها عن طلب كل ماتشتهيه فمن استطاع الصبر عن ما أحله الله فسيستطيع الصبر عن ماحرمه والجسد الذي يشعر بالجوع والضعف سيكون اكثر ادراكاً بمشاعر وجوع من حوله من المحتاجين والفقراء.
كما ان الصوم وقاية ووجاء للمسلم عن الشهوات و قهر لعدو الله عز وجل فإن وسيلة الشيطان الاولى الشهوات وتزداد الشهوات بالأكل والشرب و الصيام يضيق مجاري الشيطان فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم فبالصيام يضعف نفوذه وتقل منه المعاصي .
وأختم بما قاله الشاعر :
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته
أتطلب الربح مما فيه خسران؟
أقبل على النفس واستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان.
بقلم الكاتب/ مصلح احمد ال صقران الشمراني
محافظة جدة