يوما بعد الآخر تتكشف امام الدول التي قطعت علاقاتها مع قطر النشاط التخريبي الذي لم تتوقف عنه الدوحة منذ سنوات ضدها، إضافة لدعمها وتمويلها الجماعات المتطرفة والإرهابية وإيواء وتجنيس المدانين والمحكومين في دولهم.

وبثت قناة أبوظبي، مساء امس ، برنامج «النوايا المبيتة» الذي تضمن اعترافات تفصيلية لضابط مخابرات قطري – ألقي القبض عليه وحوكم وأدين ليعفو عنه لاحقا رئيس الدولة – يحكي فيها بالتفصيل مؤامرة جهاز الأمن القطري على المملكة والإمارات.

وتعرف القضية إعلاميا باسم «بوعسكور» وهو عنوان حساب على وسائل التواصل الاجتماعي استهدف إثارة الاضطراب في الإمارات ببث الشائعات المغرضة والإيهام بوجود قلاقل بالبلاد.

تعود القضية إلى نهاية 2013 حين كلف جهاز أمن الدولة في قطر أحد ضباطه لشراء شرائح هاتف موبايل من المملكة والإمارات لاستخدامها في إنشاء حسابات لشخصيات وهمية على وسائل التواصل، حتى تبدو الشائعات والإساءات صادرة من مواطنين سعوديين وإماراتيين.

تفاصيل المؤامرة

رصدت الأجهزة الأمنية الإماراتية حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تسيء للإمارات وقياداتها، بغرض خلق اضطرابات وقلاقل عبر الشائعات المغرضة، وكانت الحسابات تعود لأرقام هاتفية إماراتية، ويؤكد مستخدموها أنهم إماراتيون.

وبدأت أجهزة الأمن بتعقب هذه الحسابات، وخاصة حسابا يدعى «بوعسكور»، لتكتشف بعد فترة من المراقبة أن الرسائل المسيئة تأتي من قطر.

وقامت برصد القادمين من تلك الدولة، حتى تمكنت أخيرا من وضع يدها على شخص، اكتشفت لاحقا أنه أحد عناصر جهاز أمن الدولة القطري.

وحسب الاعترافات التفصيلية التي اطلعت عليها المحكمة في أبوظبي وبثتها قناة أبوظبي الاثنين، ففي 13 سبتمبر 2013، استدعى مدير الإدارة الرقمية في المخابرات القطرية، النقيب حمد خميس الكبيسي، الملازم أول حمد الحمادي، لتكليفه بمهمة جديدة.

كانت المهمة تتلخص في التوجه برا إلى دولة الإمارات لشراء خمس شرائح هاتفية، وتعبئتها برصيد خمسة آلاف درهم لكل شريحة، لاستخدامها دوليا، وسلمه المبلغ اللازم بالكامل، أي 25 ألف درهم.

الملازم حمد الحمادي

أبوسمرة.. سلوى وبعد يومين غادر الملازم حمد الدوحة بسيارته، متوجها إلى معبر أبو سمرة القطري، ومنه إلى معبر سلوى السعودي على الحدود بين البلدين.

وعقب دخوله المملكة، اشترى خمس شرائح هاتف سعودية ليشحنها بآلاف الريالات حتى يمكن استخدامها من قطر بطريقة التجوال.

ومن الأراضي السعودية، توجه حمد على الفور باتجاه معبر الغويفات الإماراتي، ليصله مساء اليوم نفسه، وبعد إنهائه معاملة الدخول والتأمين على السيارة، توجه الملازم حمد إلى إحدى البقالات القريبة، وابتاع بسهولة خمس شرائح هاتفية إماراتية، من دون أن يطلب منه البائع تقديم صورة عن هويته، وابتاع أربعة أجهزة هاتفية، واستخدم أيضا هاتفه الشخصي، لوضع الشرائح فيها.

وقضى حمد عدة ساعات وهو يقوم بشحن كل منها برصيد خمسة آلاف درهم، باستخدام بطاقات الشحن، ليستقل في اليوم التالي سيارته ويعود إلى معبر الغويفات الإماراتي، ومنه إلى معبري سلوى وأبو سمرة، وأخيرا العاصمة الدوحة.

حال وصوله توجه الملازم حمد إلى مقر جهاز أمن الدولة، حيث قام بتسليم الشرائح الإماراتية الخمس إلى مدير الإدارة الرقمية، النقيب حمد خميس الكبيسي، الذي عهد بها إلى الملازم راشد عبدالله المري والملازم عامر محمد، لاستخدامها في إنشاء حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي تويتر وإنستغرام، لينشروا عليها صورا مسيئة لرموز دولة الإمارات، والإيحاء بأن مستخدمي هذه الحسابات هم من الإماراتيين.

شائعات وأكاذيب

من أشهر المواقع الوهمية التي أشرف عليها جهاز أمن الدولة القطري، موقع «بوعسكور»، الذي كان ينشر إشاعات وأكاذيب وهمية عن الإمارات، باستخدام ألفاظ وكلمات أثارت استغراب الجميع بسبب بذاءتها.

واكتشفت أجهزة الأمن في الإمارات مصدر تلك الحسابات الوهمية، وبعد أشهر قليلة ألقي القبض على الملازم حمد؛ إثر عبوره الحدود إلى الإمارات مرة أخرى.

واعترف بالتفاصيل في التحقيقات وأمام النيابة والمحكمة التي أدانته وحكمت بسجنه 10 اعوام ، لكن الإمارات لم تعلن وقتها عن اسم «الدولة الخليجية» التي ينتمي إليها حرصا على أواصر الأخوة بين شعبي البلدين.

وأصدرت المحكمة حكما غيابيا بالسجن المؤبد، على المقدم جاسم محمد عبدالله، مساعد رئيس جهاز أمن الدولة للعمليات، والنقيب حمد خميس الكبيسي، مدير الإدارة الرقمية بجهاز أمن الدولة، والملازم أول بجهاز أمن الدولة، راشد عبدالله المري، والملازم أول بجهاز أمن الدولة، عامر محمد، وجميعهم من جهاز أمن الدولة القطري، لكن، حفاظا على أواصر القربى وحسن الجوار، أصدر رئيس الإمارات لاحقا، قرارا بالعفو عن ضابط المخابرات القطري الملازم حمد الحمادي.

حسابات وهمية

يذكر أن جهاز أمن الدولة «المخابرات» في قطر أنشأ منذ سنوات ما تسمى بالإدارة الرقمية، لرصد كل ما يتم بثه على وسائل التواصل الاجتماعي، وإنشاء حسابات وهمية على تويتر وإنستغرام بأسماء وهمية.

ولا تشكل هذه القضية، سوى واحدة من قضايا عديدة حاولت فيها الدولة القطرية النيل من دولة الإمارات، والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، وغيرها من الدول العربية.

ولعل ذلك يفسر بعض الحملات الالكترونية المنظمة في أحيان معينة، والتي تبدو «إخوانية» الطابع أو كأنها لتنظيم إرهابي معروف مثل القاعدة أو داعش.