ظلت مصيدة ثوسيديدس في الميثولوجيا الإغريقية ماثلة على مر العصور والأزمان. وباتت تظهر من وقت لآخر فتؤجج التوترات بين القوى الصاعدة والحاكمة لتندفع الأحداث، التي كان بالإمكان السيطرة عليها وإدارتها بسلاسة ثم تنتهي بالاحتكام للحرب. ولهذا فإن حسن صنع القرار في عالم متقلب المزاج سيساعد على إتاحة الوقت المناسب للعقل البشري للتأمل والتفكير والمراجعة.
وتشير مقالة نشرتها صحيفة جابان تايمز لجراهام أليسون مؤلف كتاب «على حافة الحرب: هل تستطيع أمريكا والصين الهروب من مصيدة ثوسيديدس؟» واريانا هفينجتون مؤلفة كتاب «ثورة النوم The Sleep Revolution»
إلى أن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين تقف اليوم على شفا لحظة محفوفة بالمخاطر. ومعالجة هذه العلاقات بما يضمن خروج الطرفين بنتائح سلمية سيمثل أكبر تحدٍ جيوسياسي يواجه شعوب القرن الحادي والعشرين. فهل القيادة الحاكمة في البلدين بمستوى هذا التحدي؟ ذلك أن ما نراه اليوم يشير إلى أن المخاطر في حالة تصاعد مستمر.
وفرضت إدارة رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب عقوبات اقتصادية على الشركات والكيانات الصينية، التى لها علاقات مالية مع كوريا الشمالية انطلاقا من قناعتها بأن الصين لم تقم بما يكفي لكبح جماح النظام الحاكم في بيونج يانج.
وقال ترامب بصراحته المعهودة: إذا لم يحسم الصينيون الأمر مع كوريا الشمالية فسيقوم هو بذلك. ومع اقتراب كوريا الشمالية من تطوير صاروخ نووي يبلغ مداه الولايات المتحدة، هدد ترامب بأنه سيصب على بيونج يانج «نارا وجام غضب لم يشهده العالم من قبل».
الصين من جانبها، ظلت ترفض باستمرار ما وصفته وزارة خارجيتها بـ«نظرية المسؤولية الصينية» في كل ما يتعلق بكوريا الشمالية.
لكن إحدى الصحف الصينية المملوكة للدولة أفادت في افتتاحية لها مؤخرا بأن «الصين ستقف محايدة إذا هاجمت كوريا الشمالية أولا، لكن الضربات الأمريكية التي تستهدف تغيير النظام ستدفع الصين للتدخل».
وهذا التنمر تمت ترجمته في رد الصينيين بشراسة أثناء عبور سفينة حربية تابعة للبحرية الأمريكية الشهر الماضى في مياه بحر جنوب الصين المتنازع عليها. ووصفت وزارة الخارجية الصينية ذلك بأنه «استفزاز يقوض بشدة سيادة الصين وأمنها».
إذا كانت مثل هذه التحركات والملاسنات حديثة نوعا ما، فإن الديناميكية السياسية المحركة لها والكامنة خلفها ليست جديدة.
فقد سبق أن وصف المؤرخ ثوسيديدس صراعا مماثلا على السلطة حدث في بلاد الإغريق القديمة بأن «صعود أثينا والخوف المستحكم في سبارتا جعلا الحرب أمرا حتميا».
لقد ظل ما يعرف بمصيدة ثوسيديدس تتكرر من وقت لآخر على مر العصور تغذي وتؤجج صعود التوترات، مما يؤجج الاحتكاكات بين القوى الصاعدة وتلك المهيمنة على الساحة ويدفع الأحداث التي يمكن السيطرة على إدارتها لتتحول إلى دوامات مشتعلة من الأفعال وردود الأفعال تنتهي بحروب مدمرة.
في خلال الخمسمائة السنة الماضية انتهت اثنتا عشرة حالة من بين ست عشرة حاولت فيها قوى صاعدة إزاحة القوى المسيطرة إلى حرب. ولهذا ينبغي أن تأخذ الولايات المتحدة والصين حذرهما. فإذا تركت الأمور تمضي في مسارها كالمعتاد ستنتهي إلى نتائج تاريخية كالمعتاد ايضا.
التاريخ يتيح -رغم تحذيراته المروعة- إشارات مضيئة لتجنب الصراع. لنتذكر الوضع المعقد الذي واجهه الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت عام 1940 عندما تعرضت المملكة البريطانية المتحدة لضغط شديد في حربها مع ألمانيا النازية، بدأت إمداداتها وأموالها تتآكل بشكل حاد يهدد بهزيمتها. وكان روزفلت يدرك أن الكونجرس الأمريكي لن يوافق على إقراض بريطانيا ما تحتاج إليه من أموال، فقد كان الأمريكيون يصرون على عدم الاحتفاظ بعزلتهم المجيدة، وعدم التورط في الحرب بينما كان روزفلت يرى غير ذلك.