اليوم يوافق العشرين من شهر رمضان المبارك تحل فيه الذكرى ١٤٣٣ للفتح الأعظم في التاريخ
فتح مكة المكرمة والذي جاء بنصر من الله وعلى يد سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم جميعاً.
هذا الفتح الذي جاء بعد هجرتين كتبها الله على المسلمين وجعل لهم فيها عظيم الاجر على معناتهم وصبرهم وامتثالهم وطاعتهم فقد كانت الهجرة الاولى من ارض الظلم
الى ارض العدل في ذلك الوقت الحبشة واما الهجرة الثانية فكانت من ارض الكفر الى ارض ودار الايمان المدينة المنورة ولو تأملنا في التاريخ لوجدنا ان هناك أمة قبل المسلمين كُتبت عليهم الهجرة وكُتب عليهم الجهاد والفتح كما كتب على أمة محمد صلى الله عليه وسلم فكما كتب الله على المسلمين الخروج من بلادهم وهي حبيبة عليهم لبلاد غريبة عنهم كتب على بني اسرائيل الخروج من بلادهم في فلسطين الى ارض مصر بأمر وطلب من اخوهم النبي يوسف ومع ابوهم يعقوب عليهما السلام خرجوا من ارض البداوة الى ارض
الحضارة ومن ارض الفقر الى ارض الرخاء وكانت حكمة من الله سبحانه وتعالى ليهيئهم لفتح بيت المقدس واقامة دينه وشرعه في الارض.
استغرقت هذة التهيئة قرابة الاربعمائة عام بقوا فيها اسباط بني اسرائيل في مصر ليس لعجز الله سبحانه وتعالى عن اصلاحهم
عز وجل وتعالى عن ذلك ولكن ليقيم الحجة عليهم ثم بعد ان تمت فترة التهيئة أمرهم الله الخروج من ارض مصر والعودة لارض فلسطين لينالوا شرف وأجر فتح بيت المقدس .
بدأوا بالتذمر والتنكر لنبيهم موسى عليه السلام اثناء الرحلة وقبل نجاتهم من فرعون وجنوده قالوا ( أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ماجئتنا ) وبعد نجاتهم أمرهم الله بدخول الأرض المقدّسة ووعدهم بالنصر فامتنعوا من الدخول خوفاً
من العمالقة الجبارين اهل فلسطين ذلك الوقت وردّوا (قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا
فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون) فباؤوا بغضب من الله وعوقبوا بالتشريد والضياع
مدّة أربعين سنة،و بعد وفاة موسى وهارون عليهما السلام في ارض التيه في صحراء سيناء، امر الله
النبي يوشع بن نون عليه السلام ان يجمع بقية بني اسرائيل وتم لهم الفتح في اربعة أيام .
بمقارنة بسيطة بين الحدثين العظيمين في تاريخ أمة بني أسرائيل وتاريخ الأمة الأسلامية من الهجرة الى الفتح والنصر والتمكين والاستخلاف في الارض لوجدنا فرق عظيم مع أختلاف كبير في التعاطي
والامتثال لأمر الله ثم أوامر الأنبياء عليهم السلام جميعاً مع ان بني اسرائيل كانوا أبناء رجل واحد
وأما المسلمين فكانوا من قبائل وأجناس مختلفة ففيهم العربي والفارسي والرومي والحبشي ولكن
انعم الله عليهم بان جمع كلمتهم ووحد صفوفهم رحمةً بهم وجزاءً لهم على صبرهم وصدق بيعتهم لله
وعهدهم لنبيهم من المفارقات العجيبة في القصتين أن الأمر
لم يستغرق المسلمين للتهيؤ لهذا التكليف الرباني بفتح مكة معقل المشركين وكفار قريش سوا عشر
سنوات وتحت قيادة نبي واحد ،بينما احتاج بني اسرائيل
لاربعمائة عام وقرابة الستة من الانبياء ليمتثلوا للتكليف الرباني (يعقوب-يوسف-موسى-هارون-يوشع-داوود) عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة والتسليم.
في العام السادس للهجرة وصل المسلمين على تخوم مكة محرمين للعمرة فمنعوهم قريش فما كان
من النبي صلى الله عليه وسلم الا ان جمع اصحابه ودعا إلى البيعة على الجهاد ، فتبادروا إليه وهو تحت الشجرة، فبايعوه على أن لايفروا (بيعة الرضوان)ولكنه عاد وطلب منهم ان يعودوا الى المدينة
بلا عمرة ولاقتال بعد ان صالح قريش في الحديبية فتضايقوا وانزعجوا بسبب انهم حرموا من فرصة القتال لنيل احدى الحسنيين اما النصر او الشهادة وهذا يدل على صدقهم مع الله ومع نبيهم وقد اثبتوا وثبتوا لصدقهم في عام الفتح السنة العاشرة بعد اربعة اعوام فقط من المرة الأولى وبأمر من نبيهم وليس تخاذلاً او تقلباً منهم والعياذ بالله على عكس بني اسرائيل واللذين أمتنعوا عن القتال
تحت راية نبيهم وجبنوا عند اللقاء فغضب الله عليهم وعاقبهم بالتيه فتاخر الفتح لاربعين عام !
وهي عادتهم في التقلب ونقض العهود حتى مع الله سبحانه وتعالى ومع أنبيائهم عليهم السلام .
فرق هائل بين الحدثين العظيمين فتح مكة على يد اصحاب محمد وفتح بيت المقدس على يد اصحاب موسى ومفارقات جبارة
بين الفريقين في الصدق والثبات ولهذا قال النبي : لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه عليه الصلاة والسلام
وعليهم رضوان الله جميعاً.

بقلم الكاتب/ مصلح احمد ال صقران الشمراني
محافظة جدة