أعادت الأيام الماطرة الأخيرة ذكريات السعوديين 60 عاماً إلى الوراء، وتحديداً في عام 1376هـ، الذي سمي “الهدام”، أو “الغرقة”، وذلك عندما استمر هطول الأمطار مدة 58 يوماً متواصلة، فحاصرتهم الأودية، وتجاوز السيل أعتاب المباني فانهار أكثر البيوت والمساجد والمتاجر على كل ما فيها من أنفس ومتاع، وأغلبها إن لم يكن جميعها من الطين، فغادر الناس بيوتهم في المدن والقرى هرباً إلى الأماكن المرتفعة، ولجأوا إلى ما تبقى عندهم من بسط وزوال رفعوها فوق أغصان الشجر للاحتماء تحتها من زخات المطر المباشر.
وشملت الأمطار بعض مناطق السعودية بمعدلات متفاوتة، إلاّ أن الضرر الأكثر تركز على القصيم وسدير، وكانت بريدة وما جاورها من مدن وقرى هي المتضرر الأكبر، وكان ضمن من كان موجوداً في قلب الحدث في بريدة، الشيخ الراحل إبراهيم بن عبيد العبدالمحسن الذي رصد هول الحادثة وما جرى بها ضمن كتابه (حوادث الزمان)، وقال عن بعض تفاصيلها: “لما كان في 12/5 /1376ه (في أول المربعانية) من هذه السنة هطلت أمطار على القصيم واستمرت طيلة ذلك اليوم ومن الغد وبعد الغد وهكذا خمسة أيام لم يتوقف نزول الماء حتى (انماعت) رؤوس الحيطان وجعلت تنهار من كثرة نزول مياه الأمطار”.
واستمر هطول الأمطار إلى يوم 27/ 5، ثم أعقب ذلك ظل وغيوم، وما كان الناس يستطيعون دخول البيوت إلاّ لأخذ الطعام ثم يعودون، وهجرت البيوت والمساكن وظلت خاوية على عروشها، وحاول البريد الجوي الهبوط في مطار بريدة فلم يستطع إلى ذلك سبيلاً وانقطع البريد، وبعثت الحكومة بعض الخيام والمأكولات إلى المنكوبين في غرة جمادى الثانية، واستمرت السحب متلاحمة وقد انخاط الجو كقطعة من حديد ويتوقف المطر ثم يعود. واستمر المطر والظل إلى 18/ 6 ولما كان في 21/ 6 الموافق ليوم الثلاثاء اشتد البرْد وتراكم السحاب ثم نزل في غده جليد وبرْد لم يعهد مثله ثم في 4/7، وتراكمت الغيوم وهطلت أمطار واشتد البرْد ثلاثة أيام، فشهران سوى يومين لم تر الشمس فيها.
وتابع العبد المحسن: “تقدر البيوت التي سقطت من هذه السيول في بريدة نفسها بثلاثة آلاف بيت، وجرى وادي الرمة وكان جرياً عظيماً، وكان لا يجري إلاّ إذا عظم هطول الأمطار، كما أن الوادي الذي كان مجراه في قلب الخبيب جرى ومنع الداخلات والخارجات من السيارات”.
وعاشت الأسياح التي يصب بها أكثر من 13 وادياً، بالإضافة إلى وادي الرمة العملاق- أيام هطول المطر الـ (58) فيها، وإن كان أغلبهم ممن يمتلكون بيوت شعر خرجوا بها إلى البراري في الأيام الأولى، إلا أن الآخرين حاصرتهم السيول وقطعت إمدادات الغذاء لصعوبة الوصول إليها، وتهاوت كثير من البيوت على من فيها.
المصدر :
اخبار العربية ( أبها – مريم الجابر )