“اقترب حتى نراك.. لوحة لا تكتمل بسواك!”، هذا الاقتباس يعبر عن أهمية الحضور الحقيقي في حياة الآخرين. فهو ليس مجرد دعوة للتواجد الجسدي، بل هو نداء للتواصل العميق والشعور بالانتماء. يمكن اعتبار هذا الاقتباس بمثابة تذكير لنا جميعًا بأن وجودنا له تأثير كبير على من حولنا، وأن غيابنا يترك فراغًا يصعب ملؤه، خاصة في ظل الانشغال الكبير بالمسؤوليات الشخصية ومواقع التواصل الاجتماعي.
الاقتراب هو أكثر من مجرد تقليص المسافات الفيزيائية؛ إنه يعبر عن رغبة في التواصل الحقيقي والإصغاء والفهم. في عالم يزداد فيه الاعتماد على التواصل الافتراضي، يصبح الاقتراب الفعلي أكثر أهمية. عندما نقول “اقترب حتى نراك”، فإننا ندعو الشخص إلى أن يكون حاضرًا بجسده وروحه، ليس فقط ليشاركنا المكان، بل ليشاركنا الحياة والتجارب والمشاعر.
الانشغال بالمسؤوليات الشخصية يمكن أن يكون عائقًا كبيرًا أمام الحضور الفعلي في حياة الآخرين. الأعمال اليومية والضغوط المهنية والاجتماعية تأخذ جزءًا كبيرًا من وقتنا وتركيزنا، مما يجعلنا ننسى في بعض الأحيان أهمية التوقف للحظات لنكون حاضرين مع أحبائنا. يمكن أن يؤدي هذا الانشغال إلى شعور بالعزلة والتباعد بين الأفراد، حيث يفقد كل منا القدرة على التفاعل الحقيقي والمشاركة العميقة مع الآخرين.
مواقع التواصل الاجتماعي، على الرغم من أنها تُسهل التواصل السريع والمباشر، إلا أنها غالبًا ما تكون بديلاً عن التفاعل الحقيقي. يمكن أن تمنحنا إحساسًا زائفًا بالتواصل والارتباط بينما نحن في الواقع نفقد الحضور الفعلي. الإعجاب بمنشور أو تعليق على صورة لا يمكن أن يعوض عن النظر في أعين الآخرين والحديث معهم وجهًا لوجه. إن الإفراط في استخدام هذه المواقع يمكن أن يعمق الفجوة بين الناس، مما يجعل العلاقات أكثر سطحية وأقل عمقًا.
اللوحة في هذا السياق هي حياة كل فرد ومجتمعه. كل شخص يمثل جزءًا فريدًا من هذه اللوحة، وكل غياب يترك فراغًا يؤثر على الصورة الكاملة. “لوحة لا تكتمل بسواك” تعني أن لكل منا دورًا حيويًا وأساسيًا في حياة الآخرين. نحن جميعًا نشكل أجزاء صغيرة من الفسيفساء الكبيرة التي هي حياتنا المشتركة، وغياب أي جزء يعني فقدان جزء من الجمال والكمال.
الحضور ليس مجرد التواجد، بل هو المشاركة الفعالة والإصغاء والدعم. العلاقات الإنسانية تحتاج إلى هذا النوع من الحضور لتنمو وتزدهر. عندما نكون حاضرين بجسدنا وروحنا، فإننا نُظهر للآخرين أننا نهتم بهم، وأنهم مهمون بالنسبة لنا. هذا الحضور يعزز الثقة ويقوي الروابط بين الأفراد.
وجود علاقات قوية ومستدامة يعتمد بشكل كبير على الحضور الفعلي والتواصل الجيد. الأبحاث تشير إلى أن الأشخاص الذين يشعرون بالدعم والانتماء يكونون أكثر سعادة وصحة. التواصل الجيد والحضور الفعلي يساعدان على تخفيف التوتر والقلق، ويعززان الشعور بالرضا والأمان.
في النهاية، يدعونا هذا الكلام إلى أن نكون أكثر حضورًا في حياة من نحب. لنقترب حتى نراهم، ليس فقط بأعيننا، بل بقلوبنا وأرواحنا. وجودنا الكامل يعزز شعور الآخرين بالأمان والانتماء، ويساهم في إكمال اللوحة الجميلة التي هي حياتنا المشتركة.
إنه تذكير قوي بأننا جزء أساسي من حياة الآخرين، وأن حضورنا يضفي جمالًا ومعنى لا يمكن أن يُستَغنى عنه. دعونا نقترب، نقترب بكل ما لدينا من حب واهتمام، لنكون جزءًا من لوحة الحياة الكاملة والمكتملة، حتى في ظل الانشغال بالمسؤوليات الشخصية والضغوط المتزايدة لمواقع التواصل الاجتماعي.
بقلم الكاتب/ عبدالله بن مسفر الشمراني _ الريــاض