في مقالي السابق تحدثت عن حالة النضوج وكيف تتغير تفاصيلنا وأهدافنا، فنتحول من الرغبات العابرة إلى الاهتمامات الجوهرية التي تمنح حياتنا قيمتها الحقيقية، وتبادر إلى ذهني كيف يمكننا أن نفعل ذلك؟
في حياتنا اليومية، نواجه العديد من المواقف التي تتطلب اتخاذ قرارات حاسمة. هذه القرارات قد تكون شخصية، مهنية، أو اجتماعية. كثيرًا ما نجد أنفسنا في صراع داخلي بين ما يمليه علينا العقل من منطق وحكمة، وبين ما تدفعنا إليه العاطفة من مشاعر ورغبات.
العقل هو الأداة التي نستخدمها لتحليل المعلومات، تقييم الخيارات، والتنبؤ بالنتائج المحتملة. عند استخدام العقل بشكل جيد، يمكننا اتخاذ قرارات مبنية على الحقائق والمنطق. هذا يساعدنا في تجنب القرارات المتهورة التي قد تقود إلى نتائج غير مرغوب فيها. على سبيل المثال، عند اتخاذ قرار استثماري، من المهم أن نعتمد على التحليلات المالية والدراسات الاقتصادية بدلاً من الانجرار وراء العواطف.
العاطفة هي القوة التي تحركنا وتشعل فينا الرغبة والدافع لتحقيق أهدافنا. بدون العاطفة، قد تصبح قراراتنا باردة وخالية من الحماس. العاطفة تساعدنا في بناء العلاقات الإنسانية، وتجعلنا نتفاعل مع الآخرين بشكل أعمق. في بعض الأحيان، قد يكون من الجيد أن نتبع عواطفنا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الشخصية أو بالقرارات التي تؤثر على رفاهيتنا النفسية.
التوازن بين العقل والعاطفة يعني القدرة على استخدام كلاهما بشكل متكامل. لا يجب أن نتخذ قراراتنا بناءً على العاطفة فقط، لأن ذلك قد يقود إلى نتائج غير محسوبة. وفي الوقت نفسه، لا يجب أن نعتمد فقط على العقل ونتجاهل مشاعرنا، لأن ذلك قد يجعلنا نخسر الكثير من الجوانب الإنسانية في حياتنا.
هناك أوقات تكون فيها الخسارة بحد ذاتها مكسبًا، إذا كانت نتيجة لقرار حكيم. على سبيل المثال، إنهاء علاقة سامة قد يكون قرارًا صعبًا ومحزنًا، لكنه في النهاية يعود بالنفع على الصحة النفسية للفرد. كذلك، قد تكون بعض المكاسب السريعة مغرية، لكنها في الحقيقة قد تكون خسارة إذا لم تكن مستندة إلى قرارات مدروسة.
على الجانب الآخر، هناك مكاسب قد تبدو مربحة في البداية، لكنها تؤدي إلى خسائر على المدى الطويل إذا لم تكن مبنية على قرارات حكيمة. مثلاً، تحقيق مكسب مالي كبير بوسائل غير أخلاقية قد يؤدي إلى فقدان السمعة والثقة.
إن تحقيق التوازن بين العقل والعاطفة في اتخاذ القرارات هو فن يتطلب ممارسة وتطوير مستمر. هذا التوازن يمكن أن يضمن لنا حياة مليئة بالنجاحات الحقيقية والعلاقات الصحية. يجب علينا دائمًا أن نسعى لتحقيق هذا التوازن، لأنه المفتاح لتحقيق الكرامة والحقوق بأكبر قدر من الربح وأقل قدر من الخسارة.
بقلم الكاتب/ عبدالله بن مسفر الشمراني _ الرياض