لم يدرْ بخلدي أبا تمام أن كلماتك الأخيرة لي قبل أيام في الجوال وأنت تقول: “أستودعك الله” هي كلمات الوداع! لكن ليس لنا أمام فجيعة رحيلك إلا الإيمان والقضاء والتسليم. وهكذا هي كواكب الأسحار قصيرةٌ أعمارُها.
يا كوكبا ما كان أقصرَ عمره
وكذا تكون كواكب الأسحار
طبتَ حيا وميتا يا أبا تمام؛ فشهود الله في أرضه يقولون وجبتْ. سيرتك وسريرتك عطرة؛ فرتبة مقدم لم تزدك إلا طيبا وتواضعا. أبا تمام، الغريق شهيد؛ فإن كان الشهيد يشفع للصديق فاشفع لنا أن نكون بصحبتك في الفردوس؛ فوالله إني على فراقك لمحزون مكلوم.
عرفتك عصاميا ومثالا للشاب الذي بدأ من الصفر واعتمد على ذاته. عرفتك أخاً وصديقاً نقيّاً كبياض فجر ليلة القدر. كنا نلتقي قبل أكثر من ستة عشر عاما في هذا المطار أثناء دراستنا في أمريكا، نبني الآمال والأحلام وعلّ الردى مما ننجبه أقربُ. كنا نقتسم ما بقي من مكافأة الطالب لنصل الشهر بالشهر. أما اليوم فأتنقّل بين شركات الطيران في ذات المطار بحثا عن عودة للمملكة، وكل ما أرجوه فقط هو أن أدرك الصلاة عليك وألقي نظرة الوداع الأخيرة.
قد أنسى كل شيء يا أبا تمام، لكن لن أنسى مصحفك الذي أرسلته إلي يوما من نيو يورك قبيل مغادرتك النهائية لأمريكا بعد تخرجك مباشرة. مازلت أحتفظ به إلى اليوم. ولا شك أنني سأتلو آياته الآن بنفسٍ مكلومةٍ؛ فوالله إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا عبد الله لمحزونون.
اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم أنزله منازل الشهداء واجمعه بأهله وذويه ومحبيه في الفردوس الأعلى من الجنة. اللهم أحسن عزاء أهله وذويه ومحبيه وعظم أجرهم واجبر مصابهم.
ولا نقول سوى صبراً آل سعد فلربما كان شفيعكم في الجنة. إنا لله وإنا إليه راجعون.
د. حسن بن محمد الشمراني
الولايات المتحدة
2-11- 1435