اتبعت العديد من الجهات الحكومية أطر القطاع الخاص التي تم تجربتها واختبارها، وتم تحقيق الكثير من النتائج الجيدة من حيث تحسين السياسات العامة وتحسين الخدمات العامة ومع ذلك، فإن معظم الابتكارات كانت من بنات أفكار دولاب العمل الحكومي وتصميم وتنفيذ العناصر الداخلية فيه.
وفي الوقت نفسه، فإن شكل الابتكار الأكثر إثارة للاهتمام يأتي من الخارج حيث تمكن القطاع الخاص والمجتمع المدني والمواطنون الأفراد بفضل تراكم المزيد من البيانات من التفكير بشكل حقيقي خارج الصندوق وصولا لنمط إدارة خارق لكل الاجتهادات الحكومية.
واليوم، تؤدي الاتجاهات سريعة التغير والتطور في التكنولوجيا الرقمية إلى تغيير جذري في توقعات المواطنين لاداء الحكومة، حيث يغيرون نهجهم في التفاعل مع المنظمات والخدمات العامة وما يتعلق بها.
وتأخذ طبيعة هذه التفاعلات المتغيرة شكلا أفقيا (تعامل مباشر وجها لوجه) وعفويا على العكس تماما من الهرمية التقليدية، والبيروقراطية والقواعد القائمة في النظم الحكومية التي وضعت على مدى عقود بفضل حصول الافراد على بيانات حديثة وموثوقة وسهلة الاستخدام وعلنية.
وتعتبر هذه الحاجة إلى البيانات الفاعل الرئيس الذي يؤثر على جميع جوانب المجتمع الرقمي المتطور حاليا كما يقول تحليل نشره موقع (منتدى دافوس الاقتصادي العالمي).
ومن الأمثلة على ذلك مجال الذكاء الاصطناعي الذي يعد بإحداث ثورة في المجتمع تشمل قطعا الحكومات حيث تستخدم شركات مثل: جوجل وفيسبوك وميكروسوفت تقنياته لتدريب أجهزة الكمبيوتر على التعرف على الأشياء في الصور وفهم اللغة البشرية مستغلة توافر كميات هائلة من البيانات المطلوبة.
وقدم التطور التكنولوجي بسرعة نمطا تجاريا مختلفا له كثير من الاوجه في مقدمتها التجارة الالكترونية التي وصلت لمستوى غير مسبوق، وقد تسارعت بفضل ظاهرة الهاتف الذكي ما سهل توصيل السلع للمستهلك.
ويعد أهم عوامل نجاح مراكز التجارة الالكترونية الحصول على كميات هائلة من البيانات والتي كانت متاحة في الماضي لأجهزة الاستخبارات، ثم باتت في متناول المهنيين والمتخصصين في أبحاث السوق وبعض الأخصائيين الفنيين مما يمكن من تحليل سلوك الزبائن.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من ثلاثة مليارات شخص اليوم متصلون بالإنترنت مقابل 2.3 مليون شخص فقط في عام 1990.
ويعني هذا الرقم ان هناك ثلاثة مليارات شخص ينتجون البيانات في كل ثانية من حياتهم الرقمية ما ادى الى ظهور ما يعرف بالبيانات الضخمة التي عرفت بشكل شائع باستخدام البيانات الأربعة: الحجم والتنوع (يقصد تنوع المصادر)، والسرعة (على نحو فعال على مدار الساعة) وصحة المعلومات (نظرا للوفرة، يصبح ضمان الجودة أساسيا).
والمطلوب الآن من الحكومات ان تلحق بالقطاع الخاص في الاستخدام الفعال للبيانات الكبيرة كأداة قوية للعمل، وقد وجد العديد من الباحثين أن هناك صلة قوية بين استراتيجية إدارة البيانات الفعالة ونجاح الأداء المالي للشركات لأنها تساعدهم على الوصول إلى السوق بشكل أسرع مع المنتجات والخدمات التي تتماشى بشكل أفضل مع احتياجات العملاء.
واذا نجح القطاع العام في استغلال هذا البيانات بشكل مماثل سيحقق ما يرنو إليه من تحسين الأداء عبر تطوير سياساته، وتوفير خدمات حكومية أفضل من خلال توزيع موارده بطريقة أكثر فعالية وكفاءة.
وقد ساعد خفض تكلفة تخزين البيانات في خفض تكلفة ابحاث تطوير الاداء؛ لان سعر القرص الثابت سعة واحد تيرابايت حوالي 50 دولارا حاليا ما ساعد الكيانات على اتباع مبدأ (خزن الآن البيانات ثم افرزها لاحقا) خصوصا وان قيمة هذه البيانات تزداد بمرور الوقت.
واليوم، توجد نسبة كبيرة من بيانات العالم في أيدي القطاع الخاص مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات السلكية واللاسلكية وشركات البيع بالتجزئة وتمكن بعضهم، مثل جوجل وفيسبوك، من تحقيق دخل كبير من هذه البيانات وجعلها مركزية لنموذج أعمالهم.
وعلى غرار النفط فإن البيانات الخام يتم تكريرها ووضعها في أنابيب ومن ثم استخدامها في تصنيع القرارات الفورية الهامة.