عندما رأت عيوني النور ووقفت قدَماي على الأرض من دون مساعدة احد
وجدت في يدي اليمنى مِعْول الحرث وفي يدي اليسرى بذور القمح ناثرًا الحبوب في كل الإتجاهات وواضعًا المسحاة بين التراب مقتديًا بوالدي الذي يسبقني بخطوات وهو ينظر إليّ مبتسمًا ولسان حاله يقول الحمد لله وجدت من يحمل الأمانة بعدي !!
ونحن منهمكين في العمل أحسست بقطرات الماء تتساقط على رأسي وصوت الرعد يخالطه صوت والدي الفَرِح والمسرور داعيًا الله قائلًا : حولينا ولا علينا.
انتقل والدي مسرعًا إلى ساقية المزرعة ( العَقْم ) مانعًا دخول الماء !!
فبذور القمح التي سيسحبها السيل إذا لم تغرس في الأرض فهي غالية الثمن ولن يجدها إلا مع المحصول القادم.
أثناء هطول المطر تضايق والدي من وجودي لأني ضاعفت عليه الأحمال التي سيذهبُ بها إلى المنزل ولكن لمعرفته أني سأحمل عنه الثقل عما قريب تحملني كما تحملهُ جدي.
وفي اليوم التالي وجدت والدي وسط مجموعة من الناس رافعًا العمامة من فوق رأسه واضعًا إياها فوق حضنه قائلًا بصوتٍ عالٍ إن ما قام به من إحالة الماء عن مزرعته إن ماهو عملًا اعتاده من سنين ويطلب من ( الحكَّامَة) أن يخافوا الله ويحكموا بالعدل .
في أثناء تعالي الأصوات وكلًّا يُدافع عن وجهة نظره كان للشمس وجهة نظر أُخرى! فشُعاعها غير الشُعاع ومكانها غير المكان مبشرة بفصولٍ جديدةٍ غير الفصول الأربعة
فصولًا مختلفة أُستبدلت فيها أدوات الفلاحة والرعي بشنطة فيها كتابٌ ودفتر وقلم ، وأُستبدِلَ صوت الرعد بصوت رجلٍ يقال له أستاذ ، إذا دخل الفصل وقفنا ، وإذا تكلم سكتنا وإذا ابتسم استبشرنا ، ينطق لسانه بكلامٍ كالدُرر نحاول تجميعه في عقُولِنا وتطبيقه بجوارحنا ، وفي يده اليمنى عصا !!
ذكرتني ( بالدرَّةِ ) عصا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه .
في خضم هذه المشاهدات مررت بالمزرعة ( البلاد ) فوجدت والدي وحيدًا يصرمُ سنابل القمح
وفي كلامه تلعثم وفي نظراته إعجاب !!
هل يقول ما هكذا علمتُك أو يقول شد حيلك وارفع رأسي بين الناس .
أخذت كلامه بإرادتي إلى مستقبلٍ مجهولٍ لم يعهده من كان قبلي ، كانت أول خطواته في قريتي الصغيرة وآخر الخطوات في المدينة الكبيرة المتناهية الأطراف تخللها نجاحات وآلام وأحزان وأفراح ، وفي كل لحظة من اللحظات أتذكر ابتسامة وتوجيهات والدي ، وبذور القمح .
بقلم الكاتب / تركي بن علي طيب آل رفيع الشمراني
مدينة الرياض
جميل جداً
كلام درر بارك الله فيك يابو نسب وكثر الله من امثالك
كلام درر يابو سامي بارك الله فبك