ذات مساء افتقدتُ القمر… بحثت عنه في سمائي فلم أجده… تلفتت يمنة ويسرة لأرى إن كان ثمة غيوم أو سُحب في السماء تحجبه فلم أجد، إذ كانت السماء صافية تلمع نحومها، لا يُخالط صفاءها إلاّ غُييمات تروح وتجيء في منظرٍ أشبه بقوارب صغيرة تسير في وسط المحيط.
خرجت إلى حديقة منزلي حاملا دفتر مدوناتي، ذاك الصديق الذي أبُثُّه أشجاني، ويحتضن صدره ما ينساب من أفكار، ويحفَظُ لي ما أودعه من أسرار.
وفي يدي الأخرى قلم قد مَدّ عُنُقه للكتابة، وكأنّه شَعَر بما يختَلِجُ في خاطري، أمامي منضدة زُجاجيّة مربعة الشكل، حولها أربعة كراسي متقابلة، حيكت من عِصِيّ الخيزران المصنوعة بعناية، تتوسط المنضدة مظلة شمسية بارتفاع متوسط، يسمح بمرور الهواء، ويَحجب الهَتّان أن يُبلّل ملابسي، وعن يمينها حوضٌ زُرِعت فيه شَجَرةَ الريحان، التي أفعَمَت المكان بجميل الرائحة، وأضفَت الجمال والرونق لزاويته، لها خصوصيّة تُميّزُهَا، إذ أهدتها لي أمي عندما زرتها العام الفائت، فَجَمَعتْ إلى كلّ ذلك إحساسًا بوجود الأم، رُغم المسافة التي تفصلني عن ديارها.
أما أجواء تلك الليلة فهي شاتية رائقة، وما أدراك ما ليالي الشتاء في نجد! لها سحرٌ وأي سحر، تَنشُر السعادة في الأرجاء، وتَبعَثُ عَلَى الحَنين إلى مَاضي الذكريات، لا سيما وقَد مرّت سحابة ممطرة عصرًا امتدّ هَتّانها إلى بُعَيد العِشاء.
استقريت جالسا ثمّ عُدتُ أبحث عن بدري الذي افتقدته، هل عَلِم أني أنتظره منتصف كل شهر؟ فلماذا لا يجيء؟ بتُّ تلك الليلة أسامر نجمةً وأرقب السماء لعله أن يهلّ. فكان هذا التوقيع:
القادِرُ عَلَى تَرميمِ نَفسِه مِن الدَّاخِل، لَنْ يُؤثِّرَ فِيه بَقَاءُ شَخصٍ أو رَحِيله.
بقلم الاستاذ/ محمد عبدالخالق ال محفوظ الشمراني
ادارة التربية والتعليم بمحافظة القويعية