( إلى جنة الخلد يا أبي: ) حامد بن محمد ال جابر الشمراني

يظلُّ الأب مصدر سعادة لا يمكن تعويضه في هذه الحياة الدنيا ، وعند رحيله تشعر أنكَ فقدتَ أعظم إنسان كان معك في كلِّ صغيرة وكبيرة ، بحنانه و عطفه ، دعواته ومواقفه .
رحل أبي الحبيب بعد أن عشت معه أجمل الذكريات في الحل والترحال : في المحافل ، و المناسبات ، في المنزل و خارجه ، في القرية و في الوادي .
عُرف والدي الحبيب رحمه الله تعالى بطيبة قلبه ، و نقاء سريرته ، و بشاشة وجهه ، و صدق نيته ؛ فكان ذكر الناس له بالخير في حياته و بعد مماته ، لقد بكاه أقاربه ومعارفه ، و من عاش معه منذ زمنٍ قديم حتى توفاه الله تعالى .
لم أنس دعواته الصادقة و حبه الصادق لي ، فلقد كان يدعو لي ليلاً و نهاراً ، و لم أنس دعوته التي يرددها دائماً على لسانه : ( الله يوفقك يا حامد ) ؛ فما كان من أمرٍ ذهبتُ إليه إلاَّ و يسره الله تعالى لي بسبب هذه الدعوة الصادقة من أبٍ صادقٍ و قلبٍ حنون.
كان رحمه الله تعالى يفرح لفرحي ويتألم لألمي فكان هو العوض الجميل – بعد الله تعالى – ثمّ رحيل والدتي رحمها الله تعالى قبل أن أدرس في المرحلة الابتدائية .
فرِح كثيراً عندما تمَّ تعييني معلماً في منطقة عسير ، و كان أشدَّ فرحاً عندما انتقلت في السنة التالية إلى محافظة العرضيات و تحديداً معلماً في مدرسة الرازي بشمران عام( ١٤١٥ هـ ) ؛ لقد عشنا تلك السنين بأجمل ذكرياتها ، و أمتعها بين أبٍ و ابنه .
وادعني عند سفري لدراسة الماجستير بجامعة أم القرى عام( ١٤١٩ هـ ) ، ثمَّ احتضنني ؛ليختلط ذلك الاحتضان و ذلك الوداع بالدموع ، و عند تخرجي من برنامج الماجستير فرح كثيراً و حضر المناسبة الاجتماعية التي أقمتها بمناسبة التخرج في سبت شمران آنذاك .
سافر والدي الحبيب رحمه الله تعالى من ديرته و مسقط رأسه إلى مكة المكرمة ؛ ليحضر مناقشة رسالة الدكتوراه في جامعة أم القرى ، وكان أول المباركين والمهنئين لي
و كانت السعادة على محياه والسرور يغمر قلبه بسبب ذلك الإنجاز .
فرح رحمه الله تعالى فرحاً شديداً بعد انتقالي من جامعة شقراء إلى جامعة بيشة في المنطقة الجنوبية ، و لم أنس تلك المشاعر الرقيقة والكلمات الحانية التي قالها لي بعدما شددت الرحال إلى جامعة بيشة .
لقد كان أبي يرحمه الله تعالى محباً للخير ناصحاً صادقاً مبتسماً مع الجميع ، يغمرني بنصائحه وتوجيهاته ، مفاخراً بي في المجالس و المناسبات وكنَّا عندما نذهب سويَّاً إما لسفر أو حفلة شعبية ، أو مناسبة اجتماعية ، أو أحد الأسواق الشعبية ، أو لغرضٍ ما نتضاحك و نتبادل أطراف الحديث والقصائد الشعرية ، و كان يرحمه الله تعالى يروي عليَّ قصصاً حصلت له في حياته تتضمن الكفاح والمغامرة و البحث عن لقمة العيش الكريمة .
تعب والدي الحبيب رحمه الله تعالى في الأربع السنوات الأخيرة من حياته من تكالب الأمراض عليه بعد أن كان سببها الرئيس ( داء السكري ) الذي لازمه منذ عقود ، وكان صابراً محتسباً حتى أدخله المرض في غيبوبة في العناية المركزة ، و كان في أيامه الأخيرة لا يعي بمن يزوره و يشاهده إلاَّ أنَّ رحمة الله تعالى كانت حفيةً به ؛ فقد أيقظه الله تعالى في يومٍ فضيل ( يوم الجمعة ) ؛ ليتشهد و يبتسم ، و تذهب روحه إلى بارئها .
اللهمَّ ارحم أبي برحمتك الواسعة ، و اجعل قبره روضةً من رياض الجنة ، و أكرم نزله و وسع مدخله ، و اغسله بالماء و الثلج و البرد ، ونقه من الذنوب و الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، وارحمنا إذا صرنا إلى ماصار إليه .
اللهمَّ اجمعني به في الفردوس الأعلى من جناتك جنات النعيم .

ابنك المشتاق إليك
/ حامد بن محمد بن علي الشمراني – جامعة بيشة .