لباس المرؤات وجلبابها بصدق وعزم توشحتها لقد كنت ملأ اسماعنا وابصارنا وافئدتنا أبا يزيد كنت لنا القريب والحبيب والأريب في عفويتك وابتسامتك وادخالك السرور على جلسائك، تضوعت روحك بالحب فزرعته ميادينا من الورود ونثرته عطرا في وجوه القريب والبعيد. هنيئا لك حب الناس لك (أنتم شهداء الله في أرضه)، هذا الحب الذي زرعته في قلوبهم على مدار السنين وكنتَ حريصا على ان تُسقيَه من نهر الوفاء يوما بيوم وساعة بساعة، ذلك النهر الذي لم ينضب معينه في يوم من الايام ولا للحظة من اللحظات ، فحق لك ان تهنأ بما زرعته حبا ودعاء وترحما ودموعا ولو لم يكن لك في هذه الحياة الا هذه الجنة التي اصابها وابل نبلك فأتت أُكُلها تقديرا وحبا واحتراما ودعاء لكفى بها غنما وكفى بها حياة.

‏ لقد كان أبو يزيد مثالا للأخلاق الحميدة والسجايا الكريمة والشمائل الزكية متواضعا هاشاً باشاً في وجوه كل من يلاقية محباً للناس ومحبوبا جوادا كريما، فبروق وجهه تتلألأ لضيوفه ومزون كفه تنهمر تزامنت معه من ايام الطفولة كان جريئا في طفولته كنا نهاب الظلام نحن الأطفال اما هو فلم يكون يخاف من الظلام كان يأتي إلينا في قهوتنا في خد مغنية في الهوىبية نلهو في فترة العصر انا وهو واخواني علي ومحمد الذين هم أبناء خالته و حينما يحلُّ الليل نحاول فيه أن يبقى معنا خوفا عليه من الظلام حيث كانت الأرض في ذلك الوقت قفراً ليس بها أنيس ولكنه رغم كل ذلك ورغم وجود الثعابين والدواب وشبح الجن في ذلك الطريق كان يذهب بمفرده عائدا إلى منزلهم في قريته آل غريبة وتزامنت معه في وقت الشباب مع بعض الزملاء وكان بيننا رديه من الشعر والأحاديث الممتعه الجميلة وقد وجهت له اكثر من قصيدة ليس مجالها الان.

وكانت لنا جلسات في غاية النقاء والسعادة مع أبو عمار العميد علي مصلح والعميد صالح مصلح والعميد سعد بن سعيد بن رداد وبعض الإخوان الذين كنا نتقاسم معهم السعادة والسرور.
لقد عانى ابو يزيد في هذه الحياة كثيرا وجاهد وشق طريق النجاح في اصرار وعزيمة، تعرض لمتاعب ومصائب كان من ضمنها فقدان ابنه البكر محمد رحمه الله الذي توفاه الله في حادث مروري حينما كان ذاهبا يحضر لأهله بعض احتياجات الإفطار في شهر رمضان اكراما لزملائه واصدقائه حيث كان مستضيفا لهم في ذلك اليوم وكان ذلك الطفل في السادسة من عمره السن الذي اكثر مايكون الأب مشفقا على ابنه فيه، كانت صدمة عظيمة كبيرة ولكنه كان صابرا محتسبا راضيا بقدر الله سبحانه واصل دراسته العليا وهو على رأس عمله حيث كان يعمل في الصباح ويواصل دراسته في المساء حتى حصد شهادة الماجستير ولم يكتفِ بذلك بل إزداد إصراره و تصميمه حتى حصد شهادة الدكتوراة التي نالها بإمتياز ثم تعرض لمصيبة مرض زوجته التي داهمها السرطان قبل ان يداهمه وكان صابراّ محتسبا فقد كانت زوجته له الوفية النصوح الطيبة المطيعة وكان بينهما من الألفة والمحبة ما لم يشهده زوجين وتصبر على مرض زوجته حتى جاءه المرض في أخطر مكان بجسم الإنسان سرطان الدماغ الذي ليس للبشرية فيه حيلة مهما اوتيت من علم ولكنها حكمة الله ولطف الله سبحانه وتعالى فوق كل ذلك (والله يعلم وانتم لا تعلمون) لقد عانى كثيرا وتجرع مرارة الألم كثيرا وكان في كل أحواله حامدا لله شاكرا له على ذلك البلاء حتى وافته المنية ملاقيا ربه اكرم الاكرمين وارحم الراحمين.
صعدت تلك الروح الطاهرة نحسبه والله حسيبه سائلين الله جلّ في علاه ان تكون تلك الروح ممن قال فيها سبحانه (ارجعي الى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي وادخلي جنتي) و أن يجعل ما اصابه من مصائب رفعة لدرجاته في أعلى الجنان إنه ولي ذلك والقادر عليه.
تبكيك يا أبا يزيد حروف الفصاحة والبلاغة والبيان التي كنت ربّانها وسيدها، تبكيك يا أبا يزيد ميادين الصداقة والأخوة والحب والاحترام التي كنت فارسها و زيزومها، تبكيك يا أبا يزيد صلة الأرحام والاحسان الى الأنام التي كنت نبراسها، تبكيك مشاعر زملائك وأصدقائك التي غرستها في قلوبهم حبا واحتراما وتقديرا طوال حياتك.
اخيرا وليس آخرا فإن براكين المشاعر نحوك تثور ولكن عزاؤنا انك في ضيافة الرب الغفور المنان الشكور الذي نطمع ان يجعلك في أعلى الجنان مع الشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا.