رئيس التحرير : علي بن صالح الشمراني
صحيفة شمران الإخبارية

( معركة الحفاظ على الذات ) للكاتب/ عبدالله بن مسفر الشمراني

121
+ = -

في خضم رحلة الإنسان في هذا العالم، يجد نفسه في أحيان كثيرة في مواجهة مع أكبر أسئلته وأعمق شكوكه: ما معنى الحياة؟ ما الغاية من وجوده في هذا الكون الفسيح الذي يبدو أحياناً وكأنه لا يعبأ بتفاصيله الصغيرة؟ هنا، تبدأ الأزمة الوجودية، حيث يشعر الإنسان بأنه مُلقى في ظلام اللامعنى، يطوف بين الأسئلة بلا إجابة، وسط صخب الحياة وعبثيتها.
الوجودية ليست وليدة عصرنا الحديث؛ إنها أزمة ملازمة للإنسان منذ أقدم العصور. وقف الفلاسفة والمفكرون عند هذه اللحظة الوجودية العميقة ليعيدوا تعريف الحياة من جديد، كل وفق رؤيته. لكن مهما تعددت الرؤى، تبقى الأزمة الوجودية صراعاً مع فراغ الحياة وتفاهتها المتصاعدة.
الأزمة تبدأ حينما يفقد الإنسان علاقته الحقيقية بالحياة. عندما تبدو الأشياء من حوله مجرد مظاهر خاوية، والعمل اليومي يتحول إلى روتين ممل، والمستقبل يكتنفه الضباب. هنا، يُخيم شعور باللا معنى. كل شيء يصبح ضبابياً، وكل سؤال يقود إلى سؤال أعمق دون إجابة شافية. يشعر الإنسان وكأن وجوده نفسه غير مهم، وكأن الحياة تمضي بلا هدف ولا غاية واضحة.
يقول ألبير كامو، أحد رواد الفكر الوجودي، أن “العبثية” هي السمة الأساسية لهذا الشعور. فالحياة لا تقدم أي تفسيرات مرضية لتساؤلات الإنسان الكبرى. ومع ذلك، فإن هذه العبثية ليست دعوة للاستسلام. بل يرى كامو أن الوعي بالعبثية هو بداية الحرية، إذ ما دام الإنسان مدركاً لعدم جدوى التفسيرات التقليدية، فإنه قادر على صياغة معناه الخاص.
رغم الصدام مع العبثية، يبقى لدى الإنسان رغبة عميقة في الحفاظ على ذاته الحقيقية. هذه الذات التي تسعى إلى المعنى والهدف وسط فوضى الحياة. إنه صراع يومي، حيث يجد الإنسان نفسه ممزقاً بين رغبته في الانسحاب من هذا الواقع الفارغ، وبين حاجته للبقاء متصلاً بذاته وبقيمه.
الحفاظ على الذات يبدأ من وعي الإنسان بجوهره. وعيه بأنه كائن ذو قيم ومبادئ خاصة، حتى وإن كانت غير مدعومة بالواقع المحيط. هنا، تأتي أهمية العودة إلى الأساسيات: لماذا نعيش؟ من نحن؟ ما الذي يجعلنا نتميز عن الآخرين؟ من خلال هذه الأسئلة، يبدأ الإنسان في بناء جسر بينه وبين ذاته، جسر لا يعتمد على إجابات خارجية، بل ينبع من داخله، من وعيه العميق بذاته وفرادته.
حينما تتهاوى المعاني العامة، ويبدو العالم فارغاً من القيم، يلجأ الإنسان إلى خلق معانيه الخاصة. قد يجد المعنى في عمل فني يقوم به، أو في علاقة شخصية مع شخص عزيز. قد يكون المعنى في العطاء للآخرين، أو في السعي نحو الكمال الشخصي. إنه إعادة اكتشاف لما هو مهم حقاً، بعيداً عن صخب العالم وضوضاءه.
تتجلى هذه الفكرة في أعمال الأدب والفن، حيث يعبر الإنسان عن تجاربه الشخصية ومعاناته الوجودية، ويجد في الإبداع ملاذاً لتجاوز العبثية. فالكتابة، الرسم، أو الموسيقى ليست مجرد أعمال إبداعية، بل هي محاولات حثيثة لإيجاد المعنى في عالم يرفض تقديم أي معنى جاهز.
إن الإنسان في مواجهة العبث لا ينبغي أن يستسلم. الفيلسوف الوجودي ألبير كامو دعا في كتابه “أسطورة سيزيف” إلى مواجهة العبث ببطولة. سيزيف، بطل الأسطورة، كان محكوماً بدحرجة صخرة إلى قمة الجبل، ليعود ويراها تسقط مرة أخرى. ورغم عبثية هذه المهمة، فإن كامو يرى في سيزيف رمزاً للمقاومة. إنه يُدرك أن عمله بلا فائدة، لكنه يستمر في دحرجة الصخرة، وفي ذلك يكمن معنى حياته.
في هذا السياق، قد يتعلم الإنسان أن المعركة ضد العبث ليست مجرد صراع من أجل الانتصار، بل هي معركة من أجل الكرامة والحرية. إنه يقاتل لكي يبقى إنساناً حقيقياً، متصلاً بذاته، ملتزماً بقيمه، حتى وإن كان العالم من حوله غير عادل وغير مفهوم.
حينما تشتد الأزمة، يجد الإنسان في الإبداع ملاذاً يهرب إليه من عبثية الواقع. إن الفن هو وسيلة لتجاوز الصعوبات الداخلية وإعادة صياغة الوجود. في كل لوحة مرسومة، في كل قصيدة مكتوبة، وفي كل لحن يعزف، يعبر الإنسان عن ذاته الحقيقية، تلك الذات التي ترفض الغرق في الظلام وتصر على أن تجد النور في نهاية الطريق.
وبالمثل، قد يلجأ البعض إلى الروحانية، ليست بالضرورة كعقيدة دينية، بل كبحث عن السلام الداخلي. إن التأمل، التفكير العميق، أو حتى الصلاة، يمكن أن تكون وسائل لتهدئة الروح واستعادة الاتصال بالذات.
إن الأزمة الوجودية ليست مجرد مرحلة مؤقتة، بل هي جزء من طبيعة الإنسان. إنها لحظة مواجهة مع الذات، وفرصة لاكتشاف العمق الحقيقي للوجود. في مواجهة العبثية، يستطيع الإنسان أن يجد في ذاته ما يستحق النضال من أجله. أن يخلق معناه الخاص، وأن يحافظ على ذاته من الانجراف في تيار الفوضى.
قد تكون الحياة عبثية، لكن الإنسان يبقى قادراً على صنع المعنى. إنه الصراع الأبدي بين الظلام والنور، بين العبث والإبداع، بين الفناء والبقاء. في نهاية المطاف، قد لا يجد الإنسان إجابات كاملة، لكنه يجد في النضال من أجل ذاته ما يستحق أن يواصل الرحلة.

بقلم الكاتب/ عبدالله بن مسفر الشمراني _ الرياض

الوسم


أترك تعليق

Blue Captcha Image
Refresh

*

تابعنا على تويتر
مواليد شمران المزيد

عبدالله يضيء منزل الدكتور /خلف بن عبدالله ال خليفة الشمراني

الزيارات :
عبدالله يضيء منزل الدكتور/ خلف بن عبدالله آل خليفة الشمراني رزق الدكتور/ خلف بن عبدالله بن خلف آل خليفة الشمراني ( ...

غيم تمطر بالفرح بمنزل الأستاذ احمد بن عيد بن حزمي الشمراني

الزيارات :
مع هطول الامطار وتباشير الفرح فقد رزق الاستاذ احمد بن عيد بن حزمي الشمراني بمولودته التي احب ان يطلق عليها اسم ...

سعيد يضيء منزل الاستاذ / أحمد بن سعيد بن مسفر آل مقبول الشمراني

الزيارات :
رزق الاستاذ / أحمد بن سعيد بن ال مقبول الشمراني ( ال حارثية شمران) هذا اليوم بمولود جعله الله من مواليد السعادة ومن ...

المهندس محمدبن عايض بن محمد بن غرم الله الشمراني يرزق بمولوده جديدة

الزيارات :
رزق المهندس محمدبن عايض بن محمد بن غرم الله الشمراني ” ال حارثية شمران” بمولوده جديد اتفق هو وحرمه على تسميتها دانه ...

محمد يضيء منزل الأستاذ/مصلح بن محمد بن احمد الشمراني

الزيارات :
رزق الاستاذ مصلح بن محمد بن احمد(التليبي )الشمراني بمولود اطلق عليه اسم محمد مسمى على جده محمد بن احمد صحيفة شمران ...
انفوجرافيك المزيد
  • الزوار

    1970705
    Users Today : 327
    This Month : 27168
    This Year : 589542
    Total Users : 1970705
    Views Today : 988
    Total views : 32850821
    Who's Online : 33