تعتبر الخبرة من العوامل الأساسية التي تحدد نجاح الفرد في حياته المهنية والشخصية. لكن، في الواقع، ليس كل من عمل لسنوات طويلة يمتلك الخبرة الحقيقية. فالكثير من الأشخاص يقضون أعواماً طويلة في بيئات عمل مختلفة دون أن يتطوروا أو يكتسبوا مهارات جديدة. لذلك، من المهم أن نفهم أن الخبرة الحقيقية لا ترتبط بعدد السنوات التي قضيتها في العمل، بل ترتبط بالقدرة على الفهم، والتعلم، والتطوير الذاتي، واستشراف المستقبل.
في كثير من الأحيان، يُعتقد أن الخبرة تأتي مع مرور الزمن، ويعتبر البعض أن الشخص الذي قضى عشرات السنين في عمل معين يجب أن يكون أكثر دراية وفهماً من غيره. لكن هذا الاعتقاد ليس دائماً صحيحاً؛ فعلى الرغم من أن الخبرة قد تعني أنك مررت بتجارب متعددة في العمل، إلا أن هذه التجارب تكون بلا قيمة إذا لم تتم الاستفادة منها أو إذا لم تتم معالجتها بذكاء.
يجب أن نعرف أن الزمن ليس العامل الوحيد الذي يحدد مدى اكتساب الخبرة. فهناك العديد من الأشخاص الذين يعملون لفترة طويلة، ولكنهم لا يتعلمون من أخطائهم أو تجاربهم السابقة، مما يجعلهم في نفس المكان دون تقدم. بينما نجد آخرين، قد قضوا وقتاً أقل، لكنهم استطاعوا أن يتعلموا ويطوروا من مهاراتهم بشكل مستمر. وهذا يعكس القدرة على استثمار الوقت بشكل صحيح بدلاً من الانتظار السلبي.
تتمثل الخبرة الحقيقية في القدرة على الفهم العميق للمواقف والأحداث التي تواجهها في العمل أو الحياة. الفهم لا يعني فقط التعرف على الأبعاد التقنية أو الوظيفية للمهام التي تقوم بها، بل يشمل أيضاً القدرة على تحليل الأوضاع وتوقع النتائج المحتملة.
فالشخص الذي يمتلك هذه القدرة يمكنه أن يرى الصورة الكبيرة، ويستطيع التعامل مع التحديات بطرق مبتكرة بدلاً من الاقتصار على الحلول التقليدية. إن الفهم والإحاطة بالمشاكل بشكل شامل يعزز من قدرة الفرد على اتخاذ القرارات الصحيحة التي تدفعه نحو النجاح.
الخبرة الحقيقية تتطلب أيضاً التطوير المستمر. فالقدرة على التعلم واكتساب مهارات جديدة هي ما يجعل الفرد يتقدم ويحقق إنجازات ملموسة. في عصرنا الحالي، حيث تتسارع التغيرات التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية، أصبح من الضروري أن يكون الشخص مستعداً للتكيف مع هذه التغيرات.
الأفراد الذين يمتلكون الخبرة الحقيقية لا يكتفون بما يعرفونه اليوم، بل يسعون دوماً للتعلم وتحسين مهاراتهم. إن الشخص الذي لا يطور نفسه باستمرار سوف يواجه صعوبة في مواكبة التحديات المستقبلية. بينما من يواصل التعلم ويبحث عن المعرفة والتجارب الجديدة سوف يكون قادراً على استشراف المستقبل واتخاذ القرارات الصحيحة بناءً على فهمه العميق.
العنصر الأخير الذي يميز الخبرة الحقيقية هو القدرة على استشراف المستقبل. فالشخص ذو الخبرة الحقيقية لا يتوقف عند ما هو موجود الآن، بل يعمل على التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية في مجاله. إنه يطور رؤية استراتيجية تساعده على التكيف مع المستقبل وتوجيه العمل نحو الأهداف طويلة الأمد.
استشراف المستقبل يتطلب أن يكون الشخص مرناً في تفكيره، قادراً على التفكير النقدي، ومواكباً للتغيرات في العالم من حوله. كما يتطلب أن يكون لديه القدرة على تحديد الفرص المستقبلية واستخدامها لصالحه، سواء كان ذلك في مجال العمل أو في الحياة الشخصية.
الخبرة الحقيقية ليست مجرد تراكم للسنوات، بل هي مجموعة من الصفات التي تشمل الفهم العميق، القدرة على التطوير الذاتي، والاستعداد لاستشراف المستقبل. إن الشخص الذي يظل ثابتاً في مكانه، دون تطوير مهاراته أو تحسين معرفته، لن يحقق التقدم الحقيقي. بينما الشخص الذي يستمر في التعلم والتحسين سيتحول إلى شخص ذو خبرة حقيقية قادرة على مواجهة التحديات وتحقيق النجاحات في المستقبل.
بقلم الكاتب/ عبدالله بن مسفر الشمراني _ الرياض