في حياتنا اليومية، نجد أنفسنا أحيانًا نتحصن وراء احتياطات لم يفرضها علينا الواقع، وكأننا نرتدي “سترة نجاة” ونحن على أرض صلبة أو نبحر في مياه هادئة لا تهددنا أمواجها. هذا المعنى عبر عنه أحد الكُتاب بعبارة: “سترة نجاة لبحار لم تغرق سفينته” يلتقط هذا الشعور بدقة، ليعكس سلوكيات قد تبدو غير منطقية أو زائدة عن الحاجة في سياقها.
من الطبيعي أن يسعى الإنسان للاستعداد للمجهول، فالتخطيط والاستباق هما جزء من قدرتنا على البقاء وتجنب الأزمات. ولكن في بعض الأحيان، يصبح هذا التحصن استعدادًا مفرطًا، وكأننا نضع سترة نجاة قبل حتى أن تظهر علامات الخطر. هنا، يظهر الخيط الرفيع بين الاستعداد الحكيم والقلق الذي قد يُثقل حياتنا.
الوقاية مبدأ معروف، وهي خير من العلاج، كما يقول المثل الشهير. ولكن عندما يصبح التحصن ضد كل المخاطر المحتملة هوسًا، فإنه قد يؤدي إلى حياة مليئة بالقيود والعوائق الذاتية. الخوف من المجهول قد يجعلنا نعيش تحت ضغط دائم، نخشى ما قد يحدث حتى وإن كان الاحتمال ضئيلًا. نبدأ في التخطيط لكل تفصيل، حتى التفاصيل التي لم تأتِ ولم تلوح في الأفق.
تخيل بحارًا يرتدي سترته، ينظر إلى البحر الهادئ بعين متوجسة، رغم أن السفينة تبحر بثبات. هذا البحار قد لا يتمكن من الاستمتاع برحلته أو الاستفادة من هدوء البحر، لأنه منشغل بما قد يأتي من مخاطر، حتى وإن كانت بعيدة.
القلق الزائد من المجهول يمكن أن يحد من إمكانيات الفرد ويمنعه من اتخاذ خطوات جريئة أو من استغلال فرص قد تظهر أمامه. على سبيل المثال، الخوف من الفشل قد يمنع الشخص من الإقدام على مشروع جديد، رغم أن جميع المؤشرات تشير إلى نجاح محتمل. هذا الحذر المفرط قد يشل القدرة على المخاطرة المحسوبة، وهي جزء لا يتجزأ من النجاح والنمو.
عندما نعيش في ظل سترة نجاة نفسية، نبدأ في تضخيم المخاطر الصغيرة أو حتى المتخيلة، وننسى أن جزءًا من الحياة يتطلب الشجاعة والمواجهة. القلق، في جوهره، يمكن أن يكون مفيدًا في حالات معينة، لكن عندما يصبح حاجزًا يعوق التقدم والتجربة، يصبح عبئًا ثقيلًا.
إذًا، كيف نحقق التوازن بين الاستعداد المنطقي وعدم الوقوع في فخ القلق الزائد؟ الجواب يكمن في الوعي الذاتي والتقييم العقلاني للمواقف. ينبغي علينا أن نكون قادرين على تحديد المخاطر الحقيقية من الوهمية، وأن نتعلم كيف نثق في قدرتنا على التعامل مع المفاجآت والتحديات عندما تحدث.
على سبيل المثال، في الأعمال والمشاريع، التخطيط الجيد هو مفتاح النجاح، ولكن لا يجب أن يتحول التخطيط إلى شلل. علينا أن ندرك أن جزءًا من أي رحلة هو مواجهة المخاطر والتعامل معها بشكل عملي، دون تضخيم أو تهويل.
“سترة نجاة لبحار لم تغرق سفينته” هو تعبير يذكرنا بأهمية التوازن في حياتنا. يجب أن نكون مستعدين ومتيقظين، لكن دون أن نغرق في قلق مفرط يجعلنا نتردد في خوض تجارب جديدة أو الاستمتاع بالحاضر. الحياة مليئة بالتحديات والمفاجآت، ولكنها أيضًا مليئة بالفرص والجمال الذي ينتظر من يملك الشجاعة ليخوض غمارها.
بقلم الكاتب/ عبدالله بن مسفر الشمراني _ الرياض